” أنا لي شهر ما أنام إلا 3 ساعات ، مشغول جدا جدا”
“يا رجال بسيطة هذي ، تخيل أنا مواصل في العمل هذا الأسبوع الثالث لي بدون نوم ، وأتوقع بكملها أسبوعين زيادة”
الحوار السابق فيه بمالغة بلاشك ، لكن قد تسمعه بين الحين والاخر في حوارات بين الزملاء. بإمكانك أن تلاحظ كيف أن أصبح مدى انشغالك هو أحد أهم معايير تقييمك في المجتمع. مقدار انشغالي يعني مدى حاجة الناس لي وتقدير العمل لجهودي ومهاراتي.
أحد الأصدقاء يؤمن تماما بأنك يجب أن لا تقوم بأي عمل يظهرك بشكل مباشر أو غير مباشر كشخص غير مشغول. خصوصا في الشبكات الاجتماعية. هذا الفعل قد يسىء لمكانتك في المجتمع حسب مقاييس هذا الشخص.
حتى في مقر عملك ، اذا طلب منك عمل ما فلابد من أن تذكر وتبالغ حجم الجهد والوقت الذي بذلته في انجاز ذلك العمل. كم من الليالي سهرتها وكم من المناسبات الاجتماعية تركتها …
ورغم مبالغته في كلامه السابق ، إلا أني أرى في كلامه شيئا من الواقعية للأسف …
المشكلة في رأيي الشخصي أن هذا المعيار قد يكون خادعا ، ويعطي الانسان أحيانا شعورا كاذبا بالنجاح أو الإنجاز أو التفوق بالحياة. لسبب ما ، الانشغال يعطينا شعورا قويا بالرضى عن مستوى انجازنا في الحياة ، تخيل شخصا يتطلب عمله اليومي حضور اجتماعات مختلفة من الساعة الثامنة صباحا وحتى الخامسة عصراً .. بل أحياناً تطول الاجتماعات ساعة أو ساعتين بعد انتهاء وقت الدوام الرسمي. من السهل أن يعتقد أنه في قمة أداءه الوظيفي ، وأنه جزء مهم من فريق عمله ، وأنه يتقدم ويتطور في مساره الوظيفي. لكن هل هذا فعلا يعكس الواقع ؟
أن تكون شخصاً منجزا لا يعني بالضرورة أن لا يكون لديك دقيقة من وقت الفراغ في يومك ، أو أن تعمل بشكل متواصل بلا نوم … المقياس الحقيقي هو قدرتك على تحقيق أهدافك والاقتراب منها. الانجاز هو أن تستطيع في نهاية يومك أو أسبوعك أو شهرك أن تصف بدقة ما قمت بتحقيقه.
أظن أيضا أن أحد عيوب الانشغال بدون هدف معين هو فوات فرص في الحياة قد تكون أكثر فائدة لك على الصعيد الشخصي والمهني ، لكن بسبب انشغالك الشديد قد تفوتك ، ولم تنتبه لها .. أو ربما تظن أنك لست في حاجتها أصلا.من المؤكد أن ستفقد قدرتك على تقييم منفعتها أو أهميتها اذا لم تحدد أولوياتك أو أهدافك بالحياة.