قبل فترة كنت أتابع أحد المشاهير المتخصصين في تقديم محتوى ترفيهي – ذا جودة عالية – في قناته الخاصة على اليوتيوب. كان من الواضح أن المحتوى الذي يقدمه يتطلب جهدا وتركيزا عالياً بالإضافة إلى الوقت. مع الوقت تكونت عندي صورة ذهنية عن هذا الشخص بأنه من المتخصصين بهذا المجال ، ويفرغ وقته ويبذل جهده من أجله ، ولم يخطر ببالي حقيقة – بقصد أو بغير قصد – أن هناك جوانب أخرى متميزة لهذا الشخص ، فإنتاج محتوى ترفيهي بهذا القدر في غالب الظن أنه يجعله أقل اهتماما في جوانب حياته الأخرى. بعد عدة أشهر، قرأت وبحثت أكثر عن هذا الشخص لاكتشف أنه من المتميزين جدا في مجاله الوظيفي ، بالإضافة لتأسيسه مشروعه الخاص وقبل كل ذلك كونه أب ولديه عدة أطفال.
في ظني أن هذا الشخص رغم تميزه وعطاءه في مجالات مختلفة ليس حالة فريدة ، لكننا كبشربطبيعتنا نحكم على الناس من ظواهرهم و من الجانب الذي يعرض لنا على شبكات التواصل، أو التلفزيون أو حتى اللقاءات الشخصية العابرة.. اعتدنا في أحيان كثيرة على أن نصنف الأشخاص الذين نقابلهم ونضعهم في صناديق لا يتجاوزونها ، نحاول أن نختصرونلخص شخصياتهم ومهاراتهم في عدة كلمات.
يذكرني هذا الموقف بأحد الأسئلة المهمة في حياتنا ، هل المفترض أن نكون متخصصين في مجالات معينة لانتجاوزها ، أم أفضل أن يتعلم الشخص مهارات متعددة ويتقن عدة مجالات ؟
رغم أهمية التخصص ، إلا أن هناك دراسات حديثة مؤخرا تربط النجاح والإبداع بقدرة الشخص على إتقان مجالات مختلفة والقدر على فهمها. ومؤخرا ظهرت الكثير من البرامج الدراسة متعددة التخصصات تدمج مثلا بين الحاسب والطب أو غيره … معرفة الشخص بمجالات مختلفة تعطيه نظرة فريدة ،وقدرة على طرح حلول غير تقليدية من خلال دمج أفكار ونظريات بين هذه المجالات المختلفة.
بالإضافة لما سبق ، إتقان ومعرفة تخصصات ومهارات في مجالات مختلفة ، تتطلب مرونة عقلية وإطلاع وتعلم مستمر ، وهي قد من أكثر المهارات التي نحتاجها في حياتنا في هذا العصر ،العلوم والمعرفة تتجدد بشكل سريع جدا ، كل عدة سنوات تبرز لنا وظائف جديدة وتختفي أخرى ، والقادرون على التعلم المستمر والخوض في مجالات وتخصصات جديدة هم الأكثرتأهيلا للفوز بهذا الفرص.