خطرت لي فكرة كتابة هذه التدوينة عندما كنت أشاهد أحد الفيديوهات على اليوتيوب ، كانت الفكرة باختصار حوار أو نقاش بين مجموعتين من الطلاب ، المجموعة الأولى كانت تدرس في جامعات مرموقة مثل برنستون وييل ، والمجموعة الأخرى كانت تدرس في كليات مجتمع. شدني أحد الأسئلة الموجهة لهم أثناء الحوار وكان السؤال كالتالي
هل تعتبر جامعتك جزء أساسيا من هويتك ؟
بالطبع كان الجواب بالموافقة من جميع طلاب الجامعات المرموقة على عكس طلاب كلية المجتمع. بل أن أحد الطلاب ذكر أن الجامعة هي من صنعت هويته بشكل أساسي …
تكون في لقاء مع أشخاص في مجموعة جديدة ، وتُسأل السؤال المعتاد… عرفنا على نفسك ؟ أو تحاول إنشاء حساب جديد في موقع مثل تويتر ، ويطلب منك كتابة نبذة تعريفية عنك في صفحة حسابك.. فتحتار في اختيار الكلمات والعبارات لوصف نفسك وشخصيتك … من أنا ؟
أغلب الناس تكون وظيفتهم أو تخصصهم الدراسي هي أول ما يخطر على أذهانهم … اسمي فلان .. وأنا محامي/ طبيب/مهندس/ طالب في الجامعة .. وغيره. بعضهم يضيف إليها كلمات أخرى والكثير يكتفي بها.
لدى غالب الناس ، ترتبط هوية الانسان الشخصية ارتباطا قويا بالمهنة أو الوظيفة أو التخصص الدراسي وهذا ارتباط طبيعي ، خصوصا أن الهوية في تعريفها المبسط هو ما يميزك عن بقية الناس ، نقاط قوتك وتفوقك على الآخرين. نظرا لاستثمارنا اغلب أوقاتنا في العمل أو الدراسة ، فإن أغلب انجازتنا في حياتنا الشخصية مرتبطة بها وهي أيضا نقاط قوة تعكس هويتنا الشخصية.
لكن في نظري الاعتماد أو الارتباط بالوظيفة / التخصص الدارسي كمصدر أساسي وحيد لتكوين هويتنا الشخصية له عواقب ونتائج قد تكون ذات أثر سلبي جداً.
على سبيل المثال ، بذلت أكثر سنوات حياتك في دارسة تخصص معين ، ومن ثم العمل فيه ، وأصبحت هويتك هي عملك وعملك هو هويتك ، ماذا سيحدث لك – لا سمح الله – لو تعرض إلى فشل في مجالك الوظيفي ؟ ماذا سيحدث لك لو تقاعدت ؟ في ظني سيترك هذا فراغ كبير جدا في داخل الانسان قد يهز ثقته بنفسه وتعريفه لها ، بل ربما يدخله في دوامة من المشاعر السلبية المؤلمة مثل الاكتئاب وغير ذلك ..
ارتباط هويتك أو نظرتك الشخصية لنفسك بعنصر واحد سواء كان الوظيفة أو غيره ، قد يؤدي إلى حياة غير مستقرة ، فمع تقلبات أوضاعك في دراستك (رسوب في مادة مثلا) أو وظيفتك ، تتقلب أيضا حياتك الشخصية واستقرارك النفسي …
كيف يمكن لنا أن نتجنب مثل هذا الأمر ؟
ربما يجب على الانسان التفكير في أبعاد أخرى إضافة للعمل كعناصر مكونة لهويته الشخصية ، مثل الأسرة أو الأعمال التطوعية للمجتمع عموما… مثل هذا التنوع والتوازن سوف يؤدي إلى استقرار أكبر في حياتك الشخصية ، مثلا .. خسرت مشروع كبير في وظيفتك وأصبح تقييمك سيئا .. تستطيح أن تواسي نفسك وتقول .. لا بأس فلا زلت أبا أو أما رائعة مثلا ..
أحد الأفكار الأخرى أيضاً هي أن تقوم بأعمال جانبية داعمة ، تكون مبنية على وظيفتك/تخصصك الدراسي ، مثل مشروع تجاري صغير في نفس مجال عملك ، أو ربما مشروع تطوعي لنشر المعرفة في تخصصك تساعد فيه الطلاب أو المبتدئين في المجال. في هذه الحالة ، ستكون التقلبات الوظيفية أقل أثرا على إيمانك بنفسك وثقتك بتميزك أو قدرتك بمجال تخصصك في حال كانت الهوية مرتبطة ومبنية بشكل أساسي على الوظيفة.